أخبار عاجلة

"القليعة" الجزائرية.. مدينة تاريخية بطابع أندلسي

في لحظة يأس أصابت سكان الأندلس عقب تسليم مفاتيح غرناطة للملك فيرناندو والملكة إيزابيلا، وإعلان سقوط غرناطة سنة 1492، ظن الفارون من العدو أن قدرهم المحتوم هو الموت، قبل أن يسوقهم القدر إلى نهاية جميلة ترويها قصص التاريخ.

وعندما استحكم القشتاليون على حواضر الأندلس في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، اضطر بعض من هجروا إسبانيا إلى اللجوء لأرض خصبة وسط الجزائر، تقع على ضفاف وادي "أَزَفْرَانْ" (أيْ ماء الزَّعْفَرَانْ)، تلفه غابات من أشجار التوت، قرب مدينة البليدة (40 كلم غرب العاصمة).

مادة اعلانية

كما اختار المهاجرون المعرفون تاريخياً بـ"الموريسكيين"، اسم "القليعة" للأرض التي سكنوها، فحولوها إلى مدينة فريدة بنسيجها العمراني المستوحى من النماذج الأندلسية، حيث كانوا يرون في "القليعة" المكان الذي سينسيهم أوجاعهم في فراق بلاد الأندلس.

فكرة تأسيسها

"القليعة" بلدة تقع على بعد 26 كلم غرب الجزائر العاصمة. وتعود فكرة تأسيسها بحسب المراجع التاريخية إلى حسن باشا ابن خير الدين بربروس، إبان فترة الحكم العثماني، إذ عرفت المدينة إقبالا للنازحين الأندلسيين إلى بلاد المغرب العربي، والذين ينتمي معظمهم إلى الطبقات المتوسطة من أصحاب المهن والحرف التقليدية. وقد استقر المهاجرون على تسمية المكان الذي سكنوه بـ"القليعة" بحكم النزعة الأندلسية في تصغير أسماء الأشياء، ما جعلهم يختارون اسم المدينة تصغيراً لكلمة القلعة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من 5 قرون على هجرتهم من الأندلس، فلا يزال أهالي "القليعة" الجزائرية يحافظون جيلاً بعد جيل على هويتهم الأندلسية ويتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم التي نقلوها معهم من الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.

كما يعمل أهالي القليعة على إحياء الحرف الأندلسية التقليدية، وفي مقدمتها صناعة الأثاث المنزلي بالخيزران، في حين لا تزال هذه المدينة تقاوم مختلف التغيرات في البناء العمراني. وسكن فيها الآلاف من الناس، بعد أن كان دخلها حوالي 300 مهاجر فقط عند اكتشافها.

المنازل والبيوت العتيقة

أما المنازل والبيوت العتيقة فهي من طراز معماري أندلسي قديم، بأبواب مقوسة ومغطاة بمختلف أنواع القرميد، الذي تشتهر به مُدن الأندلس القديمة. ويُشبهها كثيرون بديار وقصور قَصَبَات الجزائر وقسنطينة وشرشال وتلمسان.

والمعروف أيضاً أن سكان "القليعة" منذ قدومهم، عملوا على بعث الحياة من جديد، من خلال تشييد المنازل على النسق المعماري الأندلسي، الذي يتميز بأجوائه المستوحاة من الحضارة الإسلامية، التي سادت الأندلس بمشغولاتها الخشبية وألوانها المضيئة وبناء المساجد، ومن أهمها المسجد العتيق، الذي يقع وسط المدينة، وكذلك مسجد سيدي علي مبارك.

حصن المهاجرين

بلدة الموريسكيين، وحصن المهاجرين الأندلسيين نالت حظاً وافراً من كتابات الصحافي والباحث الجزائري فوزي سعدالله في كتابه "الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم"، حيث قال إن "عطر الأندلس ما زال منبعثاً في هذه البلدة الموريسكية من خلال هندسة الديار القليعية العتيقة الإيبيرية الروح".

كما أضاف أن هذا العطر الإيبيري ينبعث أيضاً من ضيعاتها وجنانها ومن العادات والتقاليد والطقوس الاجتماعية العريقة التي أتى بها اللاجئون الرواد.

إلى ذلك ختم قائلاً إن الأسر المنحدرة من الأندلس في القليعة ما زالت شديدة التمسك بعاداتها وتحرص على إدامتها عبر الأجيال، فضلا عن الاعتزاز بالأصول والشعور بالتفوق والتميز عن غير الشائع نسبيا إلى اليوم في الأوساط المنحدرة من "الفردوس المفقود" عبر كامل التراب الجزائري.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى