في سنة 1858، عاش العالم على وقع قضية أزمة الطفل اليهودي، ذي الست سنوات، إدغاردو مورتارا (Edgardo Mortara). فأثناء إحدى ليالي شهر يونيو/حزيران من تلك السنة، حلّ أفراد الحرس البابوي بمنزل عائلة يهودية قاطنة بمنطقة بولونيا (Bologna) الإيطالية ليقدموا عقب ذلك على خطف الطفل مورتارا من عند والديه. وبسبب ذلك شهد العالم أزمة دولية أساءت للدولة البابوية والتي عاشت منذ قرون على وقع تراجع نفوذها.
ترجع أسباب هذه الأزمة إلى شهادة تقدمت بها آنا موريسي (Anna Morisi) والتي عملت في وقت سابق كخادمة بمنزل عائلة مورتارا حيث اعترفت الأخيرة لأحد الرهبان بقيامها بتعميد الطفل إدغاردو مورتارا خلسة منذ أكثر من 4 سنوات. فخلال إحدى الليالي، أصيب هذا الطفل بحمى شديدة كادت أن تودي بحياته.
وأثناء صراع إدغاردو مورتارا مع الموت، أقدمت الخادمة آنا موريسي على تعميده دون علم أهله حيث آمنت الأخيرة بضرورة تحويله للديانة المسيحية قبل الموت لدخول الجنة والنجاة من الجحيم. لكن بعد مضي أيام قليلة حصل ما لم يكن في الحسبان حيث تماثل الطفل للشفاء ونجا من المرض الذي ألم به لتقع بناء على ذلك الخادمة آنا موريسي في ورطة حقيقية حيث حوّلت الأخيرة الفتى من الديانة اليهودية للمسيحية دون علم والديه بالأمر.
وعلى إثر هذه الاعترافات التي تقدمت بها آنا موريسي، حلّت يوم 23 من شهر يونيو/حزيران سنة 1858 فرقة مسلحة من الحرس البابوي بمنزل عائلة مورتارا ببولونيا لتقدم عقب ذلك على انتزاع الطفل إدغاردو ذي الست سنوات من والديه. وبناء على ذلك، نفذت هذه الفرقة المسلحة أوامر البابا بيوس التاسع (Pius IX) والذي أكد على ضرورة سحب الطفل وعزله عن المجتمع اليهودي ليتم تنشئته وفق قواعد المسيحية.
أثارت حادثة خطف الطفل إدغاردو مورتارا موجة غضب بالأوساط اليهودية في كل من أوروبا وأميركا، حيث عبّر عدد كبير من الحاخامات وعلى رأسهم الحاخام الألماني لودفيغ فيليبسون (Ludwig Philippson) عن استيائهم الشديد من الأمر. وتحولت هذه الحادثة خلال فترة وجيزة إلى أزمة عالمية سرعان ما عصفت بالدولة البابوية حيث راسل العديد من كبار القادة العالميين، كالإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث (Napoleon III) وإمبراطور النمسا فرانز جوزيف (Francis Joseph),البابا بيوس التاسع وطالبوه بضرورة إعادة الطفل إلى عائلته وإنهاء سياسة تحدي الرأي العام.
ورفض البابا بيوس التاسع جميع مطالب إعادة الطفل فضلا عن ذلك وبّخ الأخير المسؤولين الإيطاليين واتهمهم بتحويل القضية إلى أزمة دولية.
وفي سنة 1859 وبالتزامن مع ضم منطقة بولونيا إلى مملكة سردينيا (Kingdom of Sardinia)، تقدمت عائلة مورتارا بطلب لاستعادة ابنها ذي الستة سنوات وفي الأثناء قوبل هذا الأمر بالرفض من قبل السلطات البابوية. وحاولت العائلة اليهودية مرة أخرى المطالبة بابنها عقب اعتماد روما كعاصمة لدولة إيطاليا الموحدة حديثة النشأة ولكن كل ذلك كان بدون جدوى.
وفي 18 من عمره، أعلن إدغاردو مورتارا للجميع تخليه عن الديانة اليهودية واعتناقه للمسيحية كما سمح له في الأثناء بحضور جنازة والدته والتي توفيت بمدينة فلورنسا. وخلال الفترة التالية سافر إدغاردو مورتارا والذي عرف لدى كثيرين بالأب مورتارا إلى بلجيكا وتوفي هنالك سنة 1940 عن عمر يناهز 88 سنة.
أثارت قضية إدغاردو مورتارا أزمة عالمية، ففي نظر كثيرين تحولت الدولة البابوية إلى دولة متخلفة ومتأخرة عن عصرها، كما لعبت هذه الحادثة دورا هاما في تغيير وجهة نظر إمبراطور فرنسا نابليون الثالث حول مسألة الدويلات الإيطالية، حيث أصبح الأخير مساندا لفكرة الوحدة الإيطالية.