ترشيق الموازنة يهدد بأزمة مفتوحة في الشارع... خيارات الحكومة واسعة والانظار تتجه الى الاجراءات المنوي اتخاذها

ترشيق الموازنة يهدد بأزمة مفتوحة في الشارع... خيارات الحكومة واسعة والانظار تتجه الى الاجراءات المنوي اتخاذها
ترشيق الموازنة يهدد بأزمة مفتوحة في الشارع... خيارات الحكومة واسعة والانظار تتجه الى الاجراءات المنوي اتخاذها

يسود الغموض الشديد الإجراءات التي ستتبعها الحكومة لخفض العجز في موازنة العام 2019، التي أصبحت في الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء منذ مدة، بسبب قرار الرئيس سعد الحريري عدم طرحها على مجلس الوزراء قبل تأمين غطاء سياسي كامل للتخفيضات القاسية والموجعة والقرارات الصعبة التي تحدث عنها، على وقع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في الشارع. واذا كان مقرراً ان يحسم مجلس النواب في جلسته التشريعية اليوم خطة الكهرباء لتصبح قانوناً يعمل بموجبه في هذا القطاع في ظل محاولات جدية لادخال بعض التعديلات عليها، فإن مشروع الموازنة لن يسلك طريقه الى مجلسي الوزراء والنواب في ظل المطبات التي بدأت تعوق تقدمه مع تأخر الغطاء السياسي المطلوب لاقراره، واصرار الاحزاب على دراسة المشروع بروية وتحضير الارضية اللازمة له.


لا جلسة لمجلس الوزراء
وذكرت مصادر رسمية لـ"اللواء" ان مجلس الوزراء لا زال ينتظر التوافق على إجراءات التخفيضات قبل عرض الموازنة عليه، علما ان لا جلسة للمجلس غداً الخميس، لا في قصر بعبدا ولا في السراي الحكومي، وتردد ان السبب ربما يعود لمصادفة الخميس بيوم خميس الأسرار قبل الجمعة العظيمة لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، أو بسبب سفر الرئيس الحريري إلى الخارج للقاء عائلته والاحتفال معها بعيد ميلاده.

وأفادت مصادر وزارية لـ"اللواء" ان الوزراء لم يتبلغوا أي موعد محتمل لجلسة لمجلس الوزراء تكون مخصصة للشروع بدراسة مشروع الموازنة، مشيرة إلى ان جدول أعمال لجلسة تعقد غداً الخميس في السراي وزّع أمس على الوزراء، ثم تمّ سحبه لجدول يتضمن بنداً وحيداً وهو دراسة خطة شركة ماكينزي، ومن ثم أعلن ان لا جلسة للحكومة هذا الأسبوع.

الاجتماع المالي والسيناريوهات العديدة
وبحسب المعلومات، فإن الاجتماع المالي الموسع الذي انعقد في "بيت الوسط" ليل الأحد الماضي، لم ينته إلى اتفاق حاسم على الإجراءات التي يفترض اتخذاها في أرقام الموازنة، وان المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، طلب مراجعة قيادته، وعليه لم يُحدّد موعد جديد للاجتماع الذي يرجح ان يرحل إلى الأسبوع المقبل.

وعلم أن وزير المال وضع سيناريوهات عدّة تحتاج اتفاقاً بين الكتل على احداها، لخفّض العجز من نحو 11 الى نحو 9 في المئة، ومقترحاته لا تمسّ بالرواتب المتوسطة والصغيرة، وتشمل وقف الاعفاءات الجمركية باستثناء ما تنص عليه المعاهدات الدولية والمقر بقوانين، وتخفيض نفقات بنسب معينة لجمعيات واندية، ووقف التوظيف لفترة محددة حتى ولو بقرارات لمجلس الوزراء، اضافة الى وضع رسم على لوحات السيارات المميزة.

وفي معلومات "النهار" ان الاجتماع المالي في "بيت الوسط" في جزئه الثاني لم يحدد موعده بعد والارجح ان يرحّل الى الاسبوع المقبل. وأكدت مصادر رسمية، أن لا مسّ بسلسلة الرتب والرواتب، وأن الخفض لن يشمل كل ما صدر بقانون، بل قد يقتصر على مراسيم وقرارات حكومية، وتشمل تقديمات وبدلات ساعات عمل اضافية واعمال لجان، وجمعيات ، وبدلات سفر، وماشابه.

وفي هذا الاطار استغربت مصادر وزارة المال لـ"النهار" التحركات المعارضة لمشروع الموازنة قبل عرضه والاطلاع على بنوده، إذ ان معظم ما يسرب الى الاعلام حتى تاريخه غير دقيق. 

وأشارت معلومات "الأخبار" الى انه حتى اللحظة، لم يُطرح في النقاشات الدائرة بين ممثلي هذه القوى أي اقتراح جدي للبحث عن واردات إضافية، كإدخال تغيير جذري على النظام الضريبي. غالبية المقترحات تدور حول خفض الإنفاق. جميع نفقات الموازنة يمكن حصرها في أربعة "أبواب" رئيسية: خدمة الدين العام (نحو 32 في المئة)، وأجور الموظفين والمتقاعدين (نحو 36 في المئة) ودعم الكهرباء (نحو 11 في المئة)، والنفقات الاستثمارية والتشغيلية (نحو 19 في المئة). وأي خفض جدي في الإنفاق، بحسب الباحثين في كيفية إعداد الموازنة، ينبغي أن يكون على حساب خدمة الدين العام والأجور. وبما أن خدمة الدين العام تعني مباشرة أصحاب المصارف وكبار المودعين، تستسهل بعض القوى السياسية التركيز على الأجور والتقديمات الخاصة بموظفي القطاع العام، وخاصة العسكريين. وكان معروفاً أن أكثر المتحمسين لإجراءات "قاسية" كهذه هم الرئيس سعد الحريري وفريقه، ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وفريقه. لكن الجديد الذي كشفته مصادر وزارية لـ"الأخبار"، انضمام وزير المال علي حسن خليل إلى مقترحي خفض الأجور والتقديمات للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين، وبنسبة تصل إلى نحو 15 في المئة. وقالت مصادر وزارية لـ"الأخبار" إن اقتراح خفض أجور العاملين في القطاع العام وضعه وزير المال ضمن سلّة المقترحات التي أعدها، ونوقِشَت في الاجتماع الذي ضمّ رئيس مجلس النواب والحريري وخليل بعد الجلسة النيابية الأسبوع الفائت. ولفتت إلى أن من ضمن المقترحات أيضاً إجراء مصرف لبنان "هندسة مالية"، تتيح استبدال سندات دين بالليرة قيمتها نحو 10 آلاف مليار ليرة بأخرى فائدتها لا تتجاوز 1 في المئة.

ويبدو أن الحريري وجد ضالته في هذا الاقتراح، فطرح مقايضة تتضمنها "سلّة" وزير المال، تنص على الآتي:
- زيادة الضريبة على ربح الفوائد من 7% إلى 10%، وفرض هذه الضريبة على أرباح مصرف لبنان من الفوائد، ما يحقق زيادة في الإيرادات بقيمة تراوح بين 500 مليون دولار و750 مليون دولار سنوياً.

- في المقابل، تخفيض أجور العاملين في القطاع العام بنسبة 15%، وتجميدها لمدّة 3 سنوات، وكذلك تخفيض معاشات التقاعد وحصرها بالمتقاعدين أنفسهم وزوجاتهم وأولادهم القصّر فقط، وحرمان كل المستفيدين الآخرين (البنات العازبات والوالدين وسواهما). وأيضاً تمديد سنّ التقاعد في الجيش والأجهزة الأمنية، وحصر علاوات التدبير رقم 3 بالذين يخدمون على الحدود والجبهات. بالإضافة إلى إلغاء المنح التعليمية وبعض التقديمات الأخرى، ولا سيما التي يستفيد منها موظفون في المؤسسات العامّة وصندوق الضمان الاجتماعي ومصرف لبنان. وقُدِّر أثر هذه الإجراءات بقيمة تراوح بين 900 مليون ومليار دولار.

هذه المقايضة طُرحت في الاجتماع الذي دعا إليه الحريري يوم الأحد الماضي، وحضره ممثلون عن جميع القوى السياسية المشاركة في الحكومة. وتفيد المعلومات بأن شق الضريبة على أرباح الفوائد حظي بقبول الجميع، أو على الأقل لم يعترض عليه أحد، إلا أن ممثلي حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي كانوا مترددين في مناقشة الشق الثاني (خفض الرواتب والأجور). وبناءً على ذلك، اقتُرح إعفاء أول مليون ليرة من الراتب من اقتطاع الـ15%، بحجّة حماية أصحاب الأجور المتدنية وتخفيف حدّة الاقتطاع على الأجور المتوسطة، ولكن هذا الطرح لم يخفف من تردد المترددين الذين طلبوا المزيد من الوقت لدراسة الأمر.

وكان وزير المال قد عرض في بداية الاجتماع المذكور مشروع الموازنة لعام 2019، وفيه عجز يفوق 6 مليارات دولار، وأبلغ الحاضرين أن هذا العجز بقي مرتفعاً على الرغم من كل التخفيضات التي طاولت بنود الإنفاق المختلفة، بما في ذلك النفقات التشغيلية والاستثمارية والتحويلات إلى الجمعيات.

بعد هذا العرض، جرى التوافق على إجراء تخفيض إضافي للعجز ليصبح أقل من 4.5 مليارات دولار، أي تخفيض الإنفاق وزيادة الإيرادات بقيمة لا تقلّ عن 1.5 مليار دولار في هذا العام. علماً أن مشروع وزارة المال تضمّن إنفاقاً بقيمة 15.8 مليار دولار (من دون الموازنات الملحقة)، بالإضافة إلى سلفة خزينة طويلة الأجل لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1.6 مليار دولار، أي ما مجموعه 17.4 مليار دولار، في حين أن الإيرادات قدّرت بأقل من 12 مليار دولار. وكانت وزارة المال قد توصلت إلى هذا المشروع بعدما حذفت نحو 2.5 مليار دولار من النفقات التي طالبت بها الوزارات.

ينطوي مشروع وزير المال على تقشّف كبير ومؤذٍ، ولكن من دون أي تعديل في بنية الإنفاق العام ووجهاته، في حين أن المقايضة التي طرحها ورئيس الحكومة تهدف إلى إجراء تعديل كبير على حساب حصة العاملين في القطاع العام، إذ ترمي إلى تخفيض حصّة الأجور ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية من 36% إلى 30% من مجمل الإنفاق العام. وهذه النسبة من التخفيض تعدّ كبيرة جداً، ولا بد أن تترك تداعيات سلبية على مستوى معيشة نحو 300 ألف أسرة تعتاش من دخل أفرادها العاملين في القطاع العام والمتقاعدين. في المقابل، تطرح المقايضة تحميل المودعين قسطاً من كلفة تخفيض العجز، عبر رفع الضريبة على ربح الفوائد، إلا أن حصة مدفوعات الفائدة على الدين العام سترتفع من 32% إلى 34% من مجمل الإنفاق العام، وبالتالي سيعود توزّع الحصص إلى ما كان عليه على مدى ربع القرن الماضي، وتحديداً منذ نشوء أزمة الدَّين العام اعتباراً من عام 1997 حتى اليوم.

وأوضح الوزير مطلع لـ"الحياة" أن هناك أبوبا كثيرة تساعد في خفض العجز، وكل ما يمكن أن يخطر في بالكم جرى التطرق إليه، من إلغاء الإعفاءات الجمركية لبعض الجمعيات والحالات، إلى إلغاء المساعدة المدرسية التي تعطى لبعض موظفي التعليم الرسمي...مرورا بمعالجة التهرب الجمركي والتهريب، وبالتالي كل ما يقود إلى "حمية" من الإنفاق الدسم، لترشيق المالية العامة. 

وفي وقت أكد وزير آخر لـ"الحياة" إن الاتجاهات داخل اللجنة بينت أن هناك قوى ترفض المس برواتب الموظفين، أبرزها "اللقاء الديموقراطي، "حزب الله"، ورئيس البرلمان نبيه بري، فإن أوساطا سياسية شددت على أن الإشارات ستأتي من الشارع اليوم عما هو ممكن وما هو صعب التحقيق من التخفيضات، لأن الناس متعبة من الوضع الاقتصادي، ما يجعل المس بالرواتب غير مطروح بالنسبة إلى بعض الفرقاء، باعتبارها حقوق سبق للموظف أن برمج حياته على أساسها.

ولفت الوزير نفسه "الحياة" إلى أن الرئيس الحريري يعتبر أنه يفترض طرح كل الأفكار، على أن يؤخذ بما يحصل توافق عليه من كل القوى السياسية.

التدبير رقم 3
الى ذلك اوضح وزير الاقتصاد والتجارة متصور بطيش لـ"اللواء" ان المهم اقرار خطة اصلاحية متكاملة في الموازنة قوامها وقف الهدر واعتماد الشفافية من خلال سلسلة اجراءات تتصل بمعالجة التهرب الضريبي والقروض المدعومة والضريبة على القيمة المضافة وتهرب الشركات منها، فضلا عن معالجة التهرب في رسوم الجمارك والمرفأ والهدر في التعويضات المرتفعة لموظفي القطاع العام.

وقال الوزير بطيش انه تم فهم كلام الوزير باسيل عن التخفيضات بشكل غير صحيح مؤكدا انه قصد بذلك شريحة قليلة. 

واضاف: لا نريد المس برواتب ذوي الدخل المحدود. وأشار الى ان المهم هو السير بهذا الاصلاح.

 وردا على سؤال اوضح ان موضوع التدبير الرقم 3 في ماخص تعويضات العسكريين من ضمن الافكار المطروحة للنقاش ولم يتم البت به بعد.

وسجلت في هذا السياق، زيارة لافتة قام بها قائد الجيش العماد جوزاف عون للرئيس نبيه برّي في عين التينة يرافقه أعضاء المجلس العسكري الجديد، حيث تردّد ان الحديث تناول هذا التدبير إلى جانب شؤون المؤسسة العسكرية، لكن العماد عون نفى أي علاقة لزيارته عين التينة بمقترحات تخفيضية على التقديمات للعسكريين أو للتدبير رقم 3، مؤكداً ان الزيارة هي فقط للشكر على تعيين أعضاء المجلس العسكري.

غير ان مصادر مطلعة، كشفت لـ"اللواء" ان موضوع تعويضات العسكريين كان في صلب المحادثات، حيث اتفق على ان تجتمع لجنة عسكرية من كبار الضباط مع وزير المال علي حسن خليل للتفاهم معه على الخطوات التي يمكن اللجوء إليها لكي تكون مساهمات في تخفيف الأعباء عن الخزينة اللبنانية، ومن هذه الخطوات التي تمّ التطرق إليها، إعادة هيكلة كادر الضباط والاكتفاء بالحاجة لدى قيادة الجيش، وعدم تخفيض الرواتب بالجملة وعدم المس برتب معينة تشكّل نوعاً من طبقة وسطى، ودفع الرواتب التصاعدية والتعويضات من دون تجزئتها من خلال سندات خزينة.

وذكرت مصادر كتلة "التنمية والتحرير" النيابية ان الرئيس بري يستعجل عرض الموازنة للنقاش على مجلس الوزراء ومن ثم المجلس النيابي، ولو كانت ارقامها الاولية مرتفعة فلا مبرر لتأخيرها اكثر، اذ يمكن الاتفاق على نسبة التخفيض ولو بحدود عشرة الى 15 في المائة، مشيرة الى ابواب كثيرة يمكن من خلالها التخفيض من دون المس بحقوق ومكتسبات الموظفين وهو امر لن يمر.

وقالت المصادر: ان ابواب التخفيض معروفة وجرى تداولها لوقف الهدر، وثمة امور لم يتطرق اليها احد مثل مبالغ حصر الارث وانتقال الملكيات المجمدة وقيمتها بالمليارات بسبب ارتفاع الرسوم فلو جرى خفض الرسوم سيتحرك هذا الامر.

واشارت المصادر الى ان المس بحقوق الموظفين سيجر تداعيات سلبية وقالت: ان قطاعا واحدا هو قطاع العسكريين المتقاعدين شل البلد امس ولو لمدة بسيطة فكيف اذا تحركت كل القطاعات واعلنت التحرك المفتوح ماذا يحصل؟

وزير المالية يوضح
وكات لجنة الإدارة والعدل النيابية قد استمعت أمس إلى شرح للواقع المالي من وزير المال علي حسن خليل، باعتبار انه المسؤول عن كل ايرادات الدولة، وللاطلاع منه على حقيقة الوضع المالي والتدابير الممكن اتخاذها.

وكشفت معلومات لـ"اللواء" ان الوزير خليل يتابع اجتماعات دورية متواصلة ومطولة مع أركان الوزارة لمراجعة أرقام الموازنة في ضوء المشاورات التي يجريها الرئيس الحريري مع ممثلي الكتل النيابية والأحزاب السياسية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى “الحدّ الأدنى” للبقاء على قيد الحياة

معلومات الكاتب