انطلق حزب "القوات اللبنانية" وتيار "المردة" إلى مرحلة جديدة عنوانها مصالحة بكركي وتنظيم الخلاف وتقريب المسافات. فمصالحة بشري– زغرتا مرّت بمراحل عدة بدأت في العام 2006 حيث جرى تشكيل لجنة بين "المردة" و"القوات" في محاولة لتخفيف حدة التشنجات والخلافات على الأرض الشمالية، أعقبتها مبادرة قام بها المطران أنطوان طربية راعي ابرشية أستراليا المارونية، وصولاً إلى تأليف لجنة من الوزير السابق يوسف سعادة ممثلا الوزير السابق سليمان فرنجية وطوني الشدياق ممثلا الدكتور سمير جعجع.
طوى لقاء الصرح البطريركي صفحة سوداء أليمة من صفحات الحرب الأهلي.، فحدث بكركي، بحسب ما تؤكد مصادر معراب لـ "لبنان24"، خلق ارتياحاً في الشارع المسيحي الذي تعب من أثقال خلافات مرحلة الحرب الأهلية التي قضى عليها أكثر من 40 عاماً. فالاتفاق تركز منذ بداية التواصل على أن يكون الإعلان وجدانيا وقيميا بعيداً عن تأثير الظروف السياسية. لكن هل ستبقى المصالحة في الإطار الوجداني؟ واهمٌ من يعتقد أن المصالحة التاريخية بين "القوات" و"المردة" ستبقى محصورة في إطارها الوجداني المبدئي. بالنسبة إلى معراب هدف لقاء 14تشرين الثاني إلى إقفال صفحة الماضي والتأكيد على التعاطي السياسي تحت سقف بكركي مع المحافظة على التعدد والتنوع، لا سيما أن المصالحة ستخلق واقعا جديداً من التعايش الهادئ في زغرتا وبشري والكورة ، بعيداً عما خلفته الحرب من خصومات وعداوات تاريخية شغلت بنشعي ومعراب سنوات مضت للحد من التصادم بين عائلات قرى هذه المدن.
ومع ذلك، فإن الخيارات السياسية التي كانت مسدودة في الحقبة الماضية أصبحت اليوم مفتوحة بعد لقاء جعجع - فرنجية، وما كان مستبعداً أصبح وارداً، فما بعد المصالحة ليس كما قبلها، تقول المصادر نفسها، بمعزل عن أن الطرفين يدركان تماما أنهما انطلقا من رؤية وطنية مختلفة وأنهما متباعدان على المستوى السياسي لكن ذلك لا يمنع أن يلتقيا في محطات عدة على غرار ما يحصل تحت قبة البرلمان أو داخل مجلس الوزراء، وبالتالي فإن الْمُصالحة، على رغم مبدئيتها ووجدنيتها من الممكن أن تؤدي إلى تقاطع الطرفين في استحقاقات معينة لم تكن في السابق متاحة لأسباب شتى، مع تشديد المصادر القواتية نفسها على أن المصالحة هدفها المصلحة الوطنية بعيداً عن تسجيل نقاط سياسية في مرمى "التيار الوطني الحر" أو أي فريق آخر. فهي اتفاق قيمي بعيد كل البعد عن مفهوم تسجيل النقاط في قضايا وملفات سياسية، لا سيما أن المصالحات المسيحية من شأنها أن تنفس الاحتقان وتبني جسور التواصل وطنياً وتكسر الحواجز النفسية التي تراكمت خلال الأحداث الماضية.
على رغم كل ما تقدم، فإن همساً يسود فريق 8 آذار، بحسب مصادره لـ "لبنان 24" عن أن الدافع وراء لقاء فرنجية – جعجع، تشكيل جبهة في وجه الوزير جبران باسيل، انطلاقا من الصراع على الرئاسة في مرحلة ما بعد الرئيس العماد ميشال عون وطنياً ومارونياً، بيد أن مصادر معراب تصر على أن لا علاقة لباسيل لا من قريب أو من بعيد بالمصالحة. فالتباين مع رئيس "التيار الوطني الحر" يبقى تبايناً موضعياً في ملفات محددة. فتفاهم معراب لا عودة عنه والمصالحة المسيحية ستبقى خطاً أحمر مهما اشتد الخلاف.
ترفض "القوات" وفق مصادرها، الحديث عن انتخابات رئاسية موعدها بعد اربع سنوات، والجواب عن إمكانية أن تذهب معراب إلى دعم فرنجية للرئاسة، وتقول" يجب الخروج من الحتميات. الأمور واردة في الاتجاهين، وإن كان من السابق لأوانه الحديث عن الاستحقاق الرئاسي، فنحن راهناً نتطلع إلى إعلان الحكومة العتيدة وما زلنا في مطلع عهد الرئيس عون وحريصين على إنجاح عهده، من دون أن تغفل المصادر أن للانتخابات الرئاسية ظروفها التي تتحكم بها بمعزل عن أن المصالحة ستفتح باب التلاقي وقد تبدأ بمكان وتنتهي في مكان اخر، مع تشديدها على أن لا اصطفافات جامدة داخل الحكومة العتيدة. فالمسائل تقاس، وفق رؤية "القوات" للشأن العام، على قاعدة توفير مناخ سياسي جديد يجب أن ينعكس إيجابا على المشهد الوطني ويعزز قيام الدولة.
ومع ذلك، تصر أوساط سياسية بارزة على وصف مشهد التلاقي القواتي - المردي بعدم المتوازن، باعتبارها أن كفة الميزان السياسي تميل لصالح جعجع الذي نجح في نسج شبكة علاقات على أكثر من محور، على رغم وجدانية فرنجية وإنسانيته وأخلاقياته بترفعه عن دماء عائلته التي اغتيلت في13 حزيران العام 1978 علما أن الوزير يوسف سعادة رأى في حديث تلفزيوني أن جعجع برأيه "لا يتحمل وحده مسؤوليّة حادثة إهدن ونحن نعرف أين أصيب، إلا أنّه عند حصول المجزرة هناك أشخاص تبرّوا منها وجعجع وقف وتبنّاها لظروف وأسباب معيّنة".
وسط هذا المشهد، تبدي الأوساط نفسها عدم ارتياحها إلى خطوة فرنجية تجاه "الحكيم"، وترى عبر "لبنان 24" أن زعيم زغرتا سيحاول تعزيز تموضعه السياسي في وجه رئيس التيار البرتقالي رئاسيا، لكن المقبل من الأيام سيظهر أن لقاء بكركي قدم خدمة غير مباشرة لباسيل، وإن كان الملف الرئاسي لم يفتح بعد، في الدوائر الأساسية، علما أن المقربين من حارة حريك يرون أن حسابات "حزب الله" مع الرئيس عون ليس بالضرورة أن تكون نفسها تجاه الوزير باسيل مع إشارتها إلى أن "حزب الله" يرحب بأي مصالحة بين الفرقاء من شأنها أن تعزز الحوار والوحدة الوطنية، مع تأكيد مصادر مطلعة لـ "لبنان 24" ان الرئيس سعد الحريري قد يصبح أكثر طمأنينة تجاه ترشيح فرنجية للرئاسة في المرحلة المقبلة، كذلك الحال مع المجتمع الدولي الذي سيكون أقل حذرا،لا سيما أن رئيس "المردة" وبمعزل عن صداقته مع الرئيس السوري بشار الاسد، ليس على خصومة مع الدول الخليجية.