تميز الأسبوع الأخير بمجموعة تطورات ومواقف، لا تتصل باستمرار عرقلة تشكيل الحكومة، بل بإعلان إفلاس صيغة الحكم عبر الإمعان بتجاوز الدستور والصلاحيات، وقد يكون أعلا المواقف نبرة كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الرافض تشكيل الحكومة من دون إشراك نواب سنة 8 آذار فيها "ولو أدى ذلك لتأخير التشكيل .. ألف عام"!! علما أنه لم يسبق أن حصل شبه إجماع مثل ما هو حاصل على رفض توزير هؤلاء من معظم القوى السياسية، التي لا ترى أحقية أو مصلحة دستورية أو سياسية أو وطنية في ذلك. وهو ما استدعى رداً من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بمؤتمر صحافي حرص فيه على تأكيد الالتزام بسقف التسوية السياسية التي أوصلت الرئيس ميشال عون إلى الرئاسة وعلى أساسها تشكلت حكومة العهد الأولى، ليقول إن كلام نصر الله ليس تجاوزاً له ولصلاحياته، بل ولمقام رئاسة الجمهورية، وصولاً إلى القول بأنه، وقد وافق على قانون انتخاب عجيب وكان يعرف سلفاً أنه سيخسر عدداً من نواب كتلته بسببه؛ لا يريد أن يدفع الثمن مرتين.
وإلى مواقف الرئيس الحريري، لم يتعب الرئيس نجيب ميقاتي من التأكيد على رفض عرقلة مهمة الرئيس المكلف، ومن التذكير بأن له دستورياً ووطنياً وعرفاً وميثاقاً "الحق في اختيار فريق عمله في الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية الذي له دوره في التأكد من أن يكون فريق العمل من أصحاب الكفايات ومشهود لأعضائه بالمناقبية".
وفي وقت كان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ينتقد العمل السياسي وفق ذهنية "المليشيات السياسية"، خصوصاً في الظروف الاقتصادية المذرية التي يعانيها المواطنون، كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يستذكر العميد ريمون إده حيث كان "في تلك الأيام للديموقراطية معنى، وللدستور حصانة، وللقانون سطوة.. ثم دخل الاغتيال السياسي من قبل الأنظمة الكلية وأتت الحرب ثم تسوية الطائف بدستور لا يطبق. وبالأمس انتهى الطائف".
الصمت، قد يكون الخيار الأبلغ في مواجهة فظائع تفاصيل المشهد السياسي القائم. لا التحديات الاقتصادية، ولا الأمنية، ولا المالية، ولا مؤشرات انهيار الاقتصاد ومعه الدولة والهيكل كله، وفوق كل ذلك الشماتة الإسرائيلية بما يجري، على اعتبار أن لعبة شدّ الحبال "تخمّر مشكلة ما" ضد سلاح وصواريخ الحزب بحسب صحيفة "هآرتس"، كل ذلك لم يفلح في دفع الأمور نحو مسارات تخدم المصلحة الوطنية، وقبل كل ذلك وبعده التزام الدستور، الذي يتعامل كثيرون معه وكأنه منتج منتهي الصلاحية أو عقبة أمام الهيمنة والوصاية على الدولة ومؤسساتها. الدستور نصّ على أن الرئيس المكلف يتعاون مع رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة، وليس هناك من طرف ثالث من حقه المشاركة في ذلك.. حسب الدستور.
كيف تبدو الصورة الآن؟ ثمة رأي غالب بأن أفق التشكيل، وهو متعثر أصلاً، بات أكثر انسداداً، تماماً كالوضع الاقتصادي والمعيشي السوداوي والمتشائم في ظل غياب حكومة فاعلة تباشر مواجهة التحديات ومتابعة تنفيذ مؤتمر "سيدر". وهناك من يرى أنّ الحكومة لن تتشكل إلاّ إذا بدأت المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة ثانية وإمكانية إنعكس مجرد التواصل بشكل إيجابي على لبنان. وهناك من يلجأ من أهل السلطة إلى الاكتفاء بلغة خشبية، أو تهديدية، أو إلى كلام غير مفهوم بالتحذير من الانهيار والجوع، من دون تقديم حلول واقعية أو الكف عن المشاركة بلعبة التعطيل، وكأنهم ليسوا في السلطة من ثلاثة عقود أو أكثر.
لكن السؤال الأهم، هل يستحق توزير شخص، ولو بدافع الوفاء، تعطيل البلد واستجرار كل هذه الأهوال والأضرار؟