أخبار عاجلة
اقفال 270 محال ومؤسسة يستثمرها سوريون -
التطورات في الجنوب على طاولة قائد الجيش -
أماني: نسأل الله ان نسمع الأخبار السارة -

كتاب مفتوح إلى سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية

كتاب مفتوح إلى سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية
كتاب مفتوح إلى سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية
وجه فضيلة المستشار العلامة  في المحكمة الشرعية السنية العليا  القاضي الشيخ عبد الرحمن الحلو كتاب مفتوح إلى سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان هذا نصه .
كتاب مفتوح إِلى سماحة مفتي الجمهوريَّة اللُّبنانيَّة
العلّامة الأَفيق الشَّيخ عبد اللَّطيف دريان.. أَمتع الله تعالى به
سَلامٌ مِنْ فُؤادٍ مُسْتَهامِ
وأَلْفُ تَحيَّةٍ بَعْدَ السَّلامِ
على مَنْ دارُهُ أَرْجاءُ قَلْبِي
وإِنْ عَظُمَتْ بِهِ خُطَطُ المَلامِ
عرفتُكَ مُنْذُ أَربعين سنةً، بحكم الجوار والمسار، وأَفدتُ منكَ طالبًا في «علم الفرائض»، وكنتُ يومذاك على مقاعد الدِّراسة الَّتي لم أَبرحها حتَّى ساعتي الرّاهنة. ثُمَّ أَفدتُ منكَ قاضيًا في «سِلْك القضاء الشَّرعيّ»، وشعاري يومتها: «أُرِيدُ أَنْ لا أُرِيدُ». وما بين وفائد الفوائد، كُنْتَ ولم تَزَلْ، أُستاذًا عليمًا، ومرشدًا حكيمًا؛ وأَشْهَدُ للحقيقة والتّاريخ، بأَلمعيَّة إِدارتك لجلسات المحاكمة، ويلمعيَّة تعاطيك مع الأُصلاء أَو الوكلاء في الملفّات القضائيَّة، وحفظ مبدأ الوجاهيَّة، وتأمين حقوق الدِّفاع، على مدى السَّنوات الثَّلاث الَّتي تشرَّفتُ بالعمل خلالها معكم لدى المحكمة الشَّرعيَّة السُّنِّيَّة العُليا، إِبّان رئاستكم لها.
ثمَّ جاءت لحظةٌ تاريخيَّةٌ هي بلغة فلسفة الإِشراق الحِكْمِيَّة »الآنَ المُمْتَدُّ»، عنيتُ يوم انتُخِبْتُم مُفْتِيًا للجمهوريَّة اللُّبنانيَّة، في العاشر من ءاب ٢٠١٤ م، ونلتم أَغلبيَّة موصوفة من أَصوات النّاخبين في «مجلس الانتخاب الإِسلاميّ»، وأَلقيتم يومئذٍ كلمةً مقتضبةً، جاءت بمثابة البلاغ وخارطة الطَّريق، في الاعتدال والوسطيَّة، ممّا يجب أَنْ يتحلَّى بهما كلُّ عالِمٍ جليلٍ وقائدٍ نبيلٍ، وأَذكرُ لكم من بعضها قولكم: «إِنَّنا محتاجون اليوم وغدًا إِلى مكافحة الفقر والحاجات الاجتماعيَّة، ومكافحة التَّشدُّد والتَّطرُّف والعُنْف باسمِ الدِّين في أَوساطنا. نحن محتاجون إِلى تواصل أَكبر في العلاقات الإِسلاميَّة ـ الإِسلاميَّة، والإِسلاميَّة ـ المسيحيَّة. ومحتاجون لبلوغ كلّ ذلك إِلى فكر إِصلاحيّ ومبادرات إِصلاحيَّة كبرى».
 
واليومَ في التّاسع من أَيلول 2023 م، ها هو ذا »الآنَ المُمْتَدُّ» عَبْرَ المجلس الشَّرعيّ الإِسلاميّ الأَعلى، يُقرِّر بإِجماع الحاضرين تعديل مُدَّة ولاية مُفْتِي الجُمهوريَّة حتَّى بلوغه سِنَّ السّادسة والسَّبعين، كما قرَّر تعديل مُدَّة ولاية مُفْتِي المناطق حتَّى بلوغهم سِنَّ الثّانية والسَّبعين.
إِنَّ الإِفتاء اليومَ أَضحى خيرًا على خير، لأَنَّـكم أَنتم هنا الآنَ »الرَّجُلُ كُلُّ الرَّجُلِ»، ولا مطمح بعد اليوم لذوي النُّفوس المريضة، والأَهداف الغريضة، والدَّعاوَى العريضة، في تسابقهم على هذه الرِّئاسة الدِّينيَّة، وفقًا لخُطَطِ مُشَغِّليهم أَو مُسْتَغلِّيهم، ولا سيَّما أُولئك الَّذين يلهجون بخطاب الكراهية، والحضّ على العنف، والقتل براحة ضمير، لكن ماذا يكون ضميرُ ذيّاكَ الضَّمير؟!
نعم! لقد أَضَلَّوا السُّبُل وتقطَّعت بهم الأَسباب، وتبقى أَنت يا سماحة المفتي الأَكْبَر، الأَعَزّ الأَبْرَر، ضمانةً وصِمامَ أَمانٍ للوسطيَّة والاعتدال، والتَّلاقي والحوار، ونبذ التَّعصُّب والتَّخشُّب، ومناهضة العنف، ومكافحة خطاب الكراهية!!
ها قد أَتَتْكُم إِمامةُ الدِّين، ومنزلةُ التَّوقيع عن ربِّ العالمين، من دون طلب منكم، ولا تشوُّفٍ أَو استشرافِ نفسٍ؛ فَحُقَّ فيكم قولُ شاعرِنا الزّاهد أَبي العتاهية:
أَتَتْهُ الإِمامةُ مُنقادَةً
إِلَيْهِ تُجَرِّرُ أَذْيالَها
وَلَم تَكُ تَصلُحُ إِلّا لَهُ
وَلَم يَكُ يَصلُحُ إِلّا لَها
ومَنْ أَخْلَقُ منكم بهذا المُرْتَقَى، وأَنتم عندي مِصْداقُ قولِ صديقِنا محمَّد ابن دُرَيْدٍ الأَزْديّ، في «المَقْصُورة»:
والنّاسُ أَلْفٌ مِنْهُمُ كواحِدٍ
وواحِدٌ كالأَلْفِ إِنْ أَمْرٌ عَنا
بلى! أَنتم »راحِلَةُ الإِبِلِ المِئَةِ»، على ما رُوِّيناه من حديث «البُخاريّ ومُسْلِم»، واللَّفظُ للأَوَّل: «إِنَّما النّاسُ كالإِبِلِ المِئَةِ، لا تَكادُ تَجِدُ فِيها راحِلَةً». وفي لفظ الثّاني: «تَجِدُونَ النّاسَ كإِبِلٍ مِئَةٍ، لا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيها راحِلَةً».
إِنَّ أَجود ما قيل في معنى الحديث، النّاظم لبيت ابن دُرَيْدٍ، والَّذي أَنتم مِصْداقُهُ ما مِنْ رَيْبٍ: هو »أَنَّ المَرْضِيَّ الأَحْوالِ مِنَ النّاسِ، الكامِلَ الأَوْصَافِ فيهم؛ قَلِيل. ويُناسِبُه في التَّمْثِيل: أَنَّ الرَّجُلَ الجَوادَ الَّذِي يَحْمِلُ أَثقالَ النّاس، والحَمالاتِ عَنْهُمْ، وَيَكْشِفُ كُرَبَهُمْ؛ عَزِيزُ الوُجُودِ، كالرّاحِلَةِ فِي الإِبِل الكثِيرَة»!!
 
وأَجِدُني مُمْسكًا بِشَباةِ القَلَم الأَعلى، لئلّا أُسائل أُولئك الطّامعين بمنصبٍ، لا زِلْتَ رأسه ورئيسه، على حدّ مُساءَلة مَلِك الشُّعراء امْرِئ القَيْس لأَسلافهم النَّهّابين، المنعدمي الوفاء، أَين يقول:
دَعْ عَنكَ نَهْبًا صِيحَ في حَجَراتِهِ
ولكِنْ حَديثًا ما حَديثُ الرَّواحِلِ
أُهِيب بإِخواني القضاة المخلصين والعلماء الرّاسخين، أَنْ يكونوا لكم سندًا، عُدَّةً وعددًا، وأُذْكِرُهُم ونَفْسِيَ وهم منها، بما قاله يومًا جدُّنا أَميرُ المؤمنين ويعسوبُ الدِّين، عليّ ابن أَبي طالب، سلامه علينا: «العِلْمُ نُقْطَةٌ؛ كَثَّرَها الجاهِلُونَ»، فعارضه البعضُ بقوله: «العِلْمُ نُقْطَةٌ؛ كَثَّرَها العالِمُونَ». وعندي: أَنَّ قولَ جدِّنا هو الصَّواب، بدليل قوله مُتَمِّمًا ما في الباب: «والأَلِفُ وَحْدَةٌ عَرَفها الرّاسخون»؛ فيا وَيْحَ العِلْمِ مِنْ مُنْتَحِليه!!
في زمنٍ قلَّ في أَفْنِيَته الوفاءُ، وانهلَّ في أَقْبِيَته البِغْضَةُ والشَّحناءُ، رأيتُ لزامًا عليّ، لحقِّ وفاء الرِّجال، ومؤاخاة أَربعين سنة من حياة الأَجيال، أَنْ أُهنِّئ المسلمين وجميع اللُّبنانيِّين، وكلَّ مَنْ أَسهم اليومَ في هذا القرار التّاريخيّ، الآيِلِ إِلى تجديد الثِّقة بكم، والاطمئنان إِلى حُسْنِ قيادتكم، ويُمْنِ حِكْمَتكم، ويَمانِ اعتدالكم ووسطيَّتكم؛ فسيروا بنا على عتيد بركة الله تعالى وأَكيد تأييده، لا نَخافُ دَرَكًا ولا نَخْشَى، مهما تلاطمت الأَمواج وتعامقت الفِجاج، ولا أَراكم إِلّا ككما رأى مِثالَكم صَدِيقُنا أَعْشَى هَمْدان، في سالفِ العَصْر والأَوان:
رأَيْتُك أَمْسِ خَيْرَ بَنِي لُؤَيٍّ
وأَنْتَ اليومَ خَيْرٌ مِنْكَ أَمْسِ
وأَنْتَ غَدًا تَزِيدُ الخَيْرَ ضِعْفًا
كَذاك تسُودُ سادَةُ عَبْدِ شَمْسِ

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى ترجيح الخيار الرئاسي الثالث يتصدر جدول أعمال “الخماسية”

معلومات الكاتب