ولا بدّ من تسجيل بعض الإنطباعات التي تكّونت من هنا ومن هناك، خصوصًا أن كلام نصرالله العالي السقف قد جاء في مرحلة دقيقة جدًا في المنطقة، ومدى إنعكاسها على الوضع اللبناني الداخلي.
أولًا، على مستوى الحلفاء، وكيف قرأوا كلام السيد.
يقول كثيرون، وفي ما يشبه الإجماع، أن نصرالله وجد نفسه مضطّرًا إلى أن يرفع مستوى خطابه السياسي ويدخل في تفصيل التفاصيل، بعدما وصل إلى قناعة بأن "التواضع" في المسائل السياسية الحساسة لم يعد جائزًا، خصوصًا أن البعض حاول تحميل "حزب الله" مسؤولية تعطيل الحكومة ومنع قيامها، بعدما حُلّت العقدتان المسيحية والدرزية، وهذا ما استلزم نحو خمسة أشهر ونيّف من المفاوضات والأخذ والرد.
وفي رأي هذا الفريق أن الدنيا قامت ولم تقعد بمجرد أن طالب الحزب بحق تمثيل سنّة 8 آذار، كمكوّن طبيعي نتيجة ما أفرزته الإنتخابات النيابية، التي جرت، وللمرة الأولى في لبنان على أساس النسبية، وذلك من أجل إكتمال عقد الحكومة التي أراد المعنيون بتأليفها أن تكون حكومة وحدة وطنية. وإستنادًا إلى هذه الحيثية يرى "حزب الله" أنه من الطبيعي أن يتمثّل هؤلاء النواب بوزير في حكومة تتسع للجميع.
ثانيًا، على مستوى الخصوم، الذين لهم قراءة خاصة بما تضمّنه كلام نصرالله، وهم يرون فيه تصعيدًا في غير محله، إلاّ إذا كان المقصود بكلامه غير السبب الظاهر على سطح المياه، وأن ما هو مخفي من جبل الجليد قد يكون أخطر مما هو ظاهر. وفي رأي معظم هذا الفريق أن السبب الذي من أجله كان كلام السيد التصعيدي، أي أحقية تمثيل حليف من حلفائه، لا يستأهل هذا النوع من الكلام الذي تخطّى السقف المتعارف عليه من ضمن التوازنات التي يقوم عليها لبنان بتركيبته السياسية والطائفية، خصوصًا أن ما جاء فيه كاد يوصل البلاد إلى حافة تهديد الوحدة الوطنية.
وفي إعتقاد هؤلاء أن الردّ على كلام نصرالله سيكون في المستوى التصعيدي نفسه، من دون أن يعني ذلك ما يمكن أن يتمناه البعض لجهة إعتذار الرئيس المكلف، وهو سبق أن قال أنه في حال إعتذاره لن يقبل بأن يُعاد تكليفه مرّة جديدة.
ويرى هؤلاء أن الوضع اليوم مختلف عن الوضع السابق، وأن الموقف اليوم يستلزم إتخاذ موقف مقابل موقف، من دون أن يعني ذلك أن ما يمكن أن يُعلن من مواقف مقابلة قد يقفل الأبواب نهائيًا في وجه الحلول الممكنة للخروج من الأزمة الحكومية، والدليل أن جلسات مجلس النواب في تشريع الضرورة لم تفقد نصابها، وإن كان التشريع تخطّى ما هو ضروري. ولو حصل ذلك لكان كل هذا الكلام في غير محله ولكان الوضع قد وصل إلى مرحلة اللاعودة، على عكس ما يُعمل به حاليًا من وراء الكواليس، وقد يكون لمهندس تدوير الزوايا، أي الرئيس نبيه بري، تدخل يعوّل عليه كثيرون من الأطراف السياسية المهتمة بأن يكون الإستقرار خطًّا أحمر.
وفي الإنتظار يبقى المواطن عالقًا بين فكيّ كماشة، وهو الذي يعاني الأمرّين من جراء ما وصلت إليه حال البلاد على أكثر من صعيد، خصوصًا على مستوى الحياة الإقتصادية وعجلتها المكربجة، مما ينعكس تدهورًا غير مسبوق على صعيد وضعه المعيشي، بعدما بلغ عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر ما يفوق نصف اللبنانيين.